مقالات وأبحاث

التبصير بمخاطر حوادث السير

التبصير بمخاطر حوادث السير

بقلم الدكتور حسن عزوزي

بالرغم من كل جهود التحسيس والتبصير مازالت حوادث السير في بلادنا تودي بالأرواح وتخلف الجرحى، ولا شك أن شيئا ما ليس على ما يرام في علاقة الناس بقانون السير مما يجعل حوادث السيرتستحق كل الاوصاف القدحية من حرب الطرق إلى الحرب القذرة. إنها حرب تقتل أزيد من ثلاثة آلاف شخص كل سنة في بلادنا وتخلف آلاف المآسي الأسرية والاجتماعية فضلا عن التكاليف المالية والاقتصادية.

بالمقابل تحصر الادبيات المرتبطة بحوادث السير أسباب الكارثة عادة في مظاهر تكاد تكون تقنية محضة ترتبط بالعامل البشري والميكانيكي، وهكذا تكون الأسباب الرئيسية تتلخص في عدم التحكم في القيادة وتقصير الراجلين والسائقين في اليقظة وعدم احترام إشارات المرور والإفراط في السرعة،أما العوامل غير البشرية فيجري حصرها في الحالة الميكانيكية للسيارات وفي الحالة السيئة لشبكة الطرق، وكأن هذين المعطيين مستقلان عن إرادة الانسان…

وفي غياب التشبع بثقافة احترام القانون وقيم المواطنة يبقى عنصر الاطمئنان إلى الإفلات من العقاب عاملا قاتلا في سلوك السائقين… وهو العنصر الذي يحيل مباشرة على الرشوة كوجه آخر من الوجوه المفجعة في علاقة الناس بالقانون. وإذا أطللنا على مرجعتينا الإسلامية وجدنا أن الإسلام كان سباقا إلى حماية حياة الانسان من كل ما يمكن أن يتسبب في إزهاقها، كما أن نصوص الشريعة التي نظمت جميع شؤون الحياة قد سنت آداب مرور الناس في الطرقات ورتبت حقوق المارة وأهل الطريق.

ولا شك أن كف الأذى عن الطريق يعتبر من أبرز الحقوق، والأذى كلمة جامعة لكل ما يؤذي المسلمين من قول وعمل، وفي الخبر ” بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له ”

وإذا كان هذا الثواب العظيم لمن يكف الأذى فكيف تكون العقوبة لمن يتعمد إيذاء الناس في طرقاتهم التي هي ملك للجميع. وفي الحديث: ” من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم”.

إن فقهاءنا الأوائل قد تحدثوا في أحكام الكثير من حوادث السير مع بساطة وسائلهم في عصرهم، إلا أن ما دونوه في كتبهم يعتبر للفقيه المعاصر قواعد ومنارات تدله على مناط الاحكام ووجه الاستنباط في أمثال نوازل المرور المعاصرة.

فمن القواعد المهمة التي تضبط حقوق الناس في حوادث المرور قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) وهذا الحديث يقرر قاعدة كلية هي من مبادئ الشريعة الإسلامية في رفع الضرر وتحريم الإضرار بالغير. وهذا الحديث صريح في الدلالة على أن من سبب ضررا لآخر فإنه ضامن لما أصابه، فالسائق مسؤول عما يحدثه بالغير من أضرار نتيجة الحوادث المرورية سواء كان الضرر في الجسم أو الممتلكات.

من جهة أخرى نعلم جميعا أن السياقة على الطرقات تكون منضبطة بأنظمة مرورية ملزمة، وكما أنها ملزمة قانونيا فهي ملزمة شرعا أيضا، وهذه الأنظمة وضعتها السلطات المختصة لتنظيم سير الناس على هذه الطرقات وحفظ أرواحهم من الهلاك، وبناء على المصلحة العظيمة المترتبة عليها فإن إلزام ولي الأمر بها مشروع جريا على قاعدة (تصرفات الإمام بالرعية منوطة بالمصلحة) والمصلحة هنا معتبرة، ومنفعتها لعموم الناس حقيقية وهي إن لم تكن من الضروريات فلا تنزل أبدا عن رتبة الحاجيات.

ولذلك لا يجوز لأي مسلم أن يخالف أنظمة الدولة في شأن المرور لما في ذلك من الخطر العظيم عليه وعلى غيره، والدولة إنما تضع ذلك حرصا منها على مصلحة الجميع ورفع الضرر عن المسلمين، فالقوانين والتشريعات التي تصدره الدولة في هذا الصدد تواكب وتساير ما جاءت به الشريعة في صيانة الدماء والأموال.

إن الله تعالى حمى النفس البشرية وأكد حقها في الحياة عندما اعتبر قتل نفس واحدة قتلا للبشرية، وإحياءها إحياء للبشرية، قال تعالى ” من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”.

وبناء على هذا فإنه لا يحل لنا بوسائل النقل المتاحة والتي سخرها الله لنا أن نبدل نعمة الله كفرا وذلك بالتسبب في إزهاق الأرواح وترويع الآمنين. وفي الحديث الشريف: “لا يحل لمسلم ان يروع مسلما” وهل هناك ترويع أشد من السرعة الزائدة عن حدودها التي تؤدي إلى قتل وإزهاق روح الأنسان بالإضافة إلى ما تخلفه من جروح وعاهات وتشوهات تشفق منها القلوب، ولذلك كانت الفتوى الشرعية بأن من تجاوز الحد المقرر للسرعة فتسبب في قتل نفسه أو قتل غيره كان مسؤولا أمام الله، قال تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) وقال عز من قائل: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) وقال صلى الله عليه وسلم: “كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه”، والسرعة الزائدة عن حدها تؤدي أيضا إلى تحطيم وتخريب الممتلكات العامة والخاصة.

ولا شك أن من أشد أنواع الأذى التعدي على الناس أثناء سيرهم في الطرقات العامة علما بأن حق الطريق حق مشترك وينبغي على كل فرد أن يفسح الطريق لأخيه حتى لا يقع مكروه لا تحمد عقباه، فحوادث السيرقد ألحقت أضررا جسيمة بالفرد والأسرة والمجتمع والدولة وأدت إلى تيتيم أطفال أبرياء وخسارة شباب أقوياء وقتل شيوخ ضعفاء وترمل نساء عفيفات وهدر الوقت والمال في الدواء والعلاج. وقد دلت الإحصاءات على أن أعداد القتلى والجرحى والمعاقين بسبب حوادث السير في ارتفاع دائم وازدياد مستمر. وكل هذا يسبب الحسرة في النفوس وتبقى الجروح الغائرة شاهدة على ظلم الإنسان لأخيه الإنسان. وفي الحديث الشريف: “الأناة من الله والعجلة من الشيطان” فمن منا يرضى أن يكون سببا في تحول أسرة تنعم في ظل راعيها بالبهجة والسرور إلى أسرة كئيبة حزينة تعيش حالة من البؤس والتعاسة والشقاء.ومن منا يرضى أن يكون سببا في حفر ذكريات أليمة في مهج أطفال صغار ينتظرون بشوق عودة أبيهم أوأخيهم، ثم من منا يرضى أن يجعل السيارة أو الحافلة التي هي وسيلة نقل وسيلة قتل ودمار.

إنه ما ينبغي لقائد السيارة أن ينشغل أثناء السياقة بشيء يؤثر على رؤيته وتركيزه أثناء القيادة لأنه مسؤول أمام الله على سلامة نفسه وسلامة الآخرين، وعليه أن يسير بهدوء وسكينة وأن يتذكر وصية لقمان لابنه، (ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور).

وإذا كنا جميعا موقنين بأن السلامة والحفظ بيد الله عز وجل (فالله خير حفظا وهو ارحم الراحمين) فإن الشرع قد أمر بأخذ الأسباب والعمل على وفقها، وقد ثبت بالتجربة القطعية أن حزام الأمان يخفف من فداحة المصيبة أثناء الحادث ويحمي السائق من هول الاصطدام. ولا ننسى أخيرا أن هناك أحزمة معنوية أخرى تقي بإذن الله تعالى أخطارا كثيرة بشرط أن تطبق بصدق عقيدة وقوة يقين مثل دعاء الركوب ودعاء السفر وملازمة الاذكار أثناء القيادة.

الله.

اترك تعليقا