حول مفهوم ” الإرهاب”
للدكتور حسن عزوزي
أضحت كثير من المفاهيم والمصطلحات المتداولة في الآونة الأخيرة لا تعبر عن حقيقة الأمور وجوهرها ، وإذا كان البعض منها قد انحرف فهمها على حقيقتها لدى الناس فإن البعض الآخر قد تم فرضه فرضا من أجل تحقيق أغراض محددة وأهداف معينة.
وتعتبر المصطلحات ذات الصلة بالشأن الإسلامي من أكثر المصطلحات تعرضا للتحريف والتمييع ، ولما كان الغرب المتسلط سياسيا وفكريا وإعلاميا هو السباق دائما إلى صنع وإيجاد المصطلحات وتوظيفها وفق ما ينشده من فرض سياسات وأفكار محددة أو قولبة مفاهيم معينة .
في هذا السياق يأتي توظيف مصطلح ” الإرهاب” وفق المفهوم الشائع والسائد في الساحة الدولية مخالفا للمفهوم القرآني ، وأصبح من السهل أن تجد اللفظة في مختلف المعاجم والموسوعات العربية الحديثة مشروحة على الطريقة الغربية في تداول هذا المفهوم ، أما المصادر اللغوية القديمة المعتبرة مثل القاموس المحيط ولسان العرب وأساس البلاغة ومفردات معاني القرآن الكريم وغيرها فهي لا تتضمن شيئا من المفهوم الغربي للإرهاب ، وإنما تشير إلى المصطلح القرآني معرفا ومبسطا حسب ما أشار إليه المفسرون والعلماء عامة ، وهو التعريف الذي يرى أن مصطلح الإرهاب كما هو منصوص عليه في قوله تعالى :” وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) يراد به ” التخويف من احتمال وقوع الأذى ، انه مجرد إعداد القوة العادلة الرادعة دون اللجوء إلى استعمالها إلا في حالة الاضطرار القصوى” . فمعنى “ترهبون به عدو الله” أي تعدون من القوة ما يجعل العدو يخاف من الحرب فيرتدع عن ممارسة العنف الذي قد يدفعكم إلى العنف المضاد. والمقصود من إعداد القوة إنما هو الردع النفسي والمعنوي قبل كل شيء دون استعمال أي سلاح مادي.
ولعل هذا ما كان حاصلا بين ” الاتحاد السوفياتي” البائد والولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب الباردة حيث كانت كل دولة تعلم ما أعدته الأخرى من قوة ردعية مخيفة مما جعل الحرب تتحول من جراء الترهيب المتبادل من حرب ساخنة إلى حرب باردة حسم أمرها الجواسيس والعملاء.
إن لفظة (ترهبون) تدل فقط على الإعداد والاستعداد ، ولا تحتمل مفهوم الهجوم لأن الإعداد موجه أصلا إلى عملية الردع فقط من أجل منع الخصم من التفكير في الإقدام على الاعتداء نظرا لوجود القوة المضادة المستعدة لدحره.
وإذا كان معنى الإرهاب وفق المفهوم الغربي ينطوي على عدد من الوقائع والدلالات المغمسة بالتطرف والعنف ونشر الذعر والقتل والسفك في سبيل نشر فكر سياسي أو ديني ، فإن القاموس الإسلامي لا يعترف بهذا المعنى الذي اختير ليكون ترجمة مجحفة ومربكة ، إذ في القرآن الكريم مفهوم أصيل ومصطلح مكين يدل على المعنى السائد لمفهوم “الإرهاب” ، ويتعلق الأمر بمصطلح ” الحرابة ” كما جاء في قوله تعالى : ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم).
فالإرهابي إذن هو الحرابي وفق المنظور القرآني ، ولا شك ان المفهوم الخاطئ الذي انتشر استعماله وساد توظيفه بقوة في مختلف وسائل الإعلام قد أفضى بكثير من الشباب المتحمس البعيد كل البعد عن التدين الصحيح والتفقه العميق إلى تبني هذا الخطأ المفاهيمي كأساس لمفهوم فريضة الجهاد ، فزاد ذلك من انتشار ظاهرة العنف المناقض لسماحة الإسلام ورحمة الله التي وسعت كل شيء.
والحاصل أن عملية تصحيح المفاهيم الخاطئة المقحمة والدخيلة على المصطلحات العربية والإسلامية الأصيلة تبدو أمرا واجبا خاصة في ظل تفاقم وتعاظم هذا الخلل نتيجة بروز مصطلحات كثيرة يتم توظيفها من طرف الغرب توظيفا مجانبا للحقيقة والصواب وموغلا في التمييع والتضليل وذلك مثل مصطلحات “الأصولية” و”الوهابية” و”السلفية” و “الجهاد” وغيرها ، إنها فعلا معركة المصطلحات التي تحتاج منا معشر المسلمين إلى تحرير للمفاهيم ذات الصلة بالشأن الإسلامي من الفوضى والتسيب والتمييع.